د. ماهر عبد المحسن

عندما دعتني قناة التعليم العالى، منذ عدة سنوات، لتسجيل حلقة حول الفيلسوف الفرنسي الكبير ”روجيه جارودي”، كان الوقت ضيقاً، وبحثت وقتها على الإنترنت وقمت بتحميل معظم مؤلفات جارودي وحاولت تكوين صورة شاملة عن أفكاره إلا إن الأمر كان صعباً، نظراً لضيق الوقت وغزارة الفكر، ما جعلنى أفكر فى الاعتذار، غير أني تذكرت أنني كنت قد قرأت، في مرحلة مبكرة من حياتى، كتاب الدكتور محمد عثمان الخشت (رئيس جامعة القاهرة السابق) حول جارودي ”لماذا أسلمت؟”.
وعندما رجعت إلى الكتاب، فى محاولة أخيرة لإنقاذ الموقف، لاحظت أن الكتاب يقسّم حياة جارودي ومؤلفاته إلى ست مراحل مختلفة تمثل نقلات كبرى في مسيرته الفلسفية، وهو ما يتناسب مع فكرة البرنامج وعنوانه ”نقطة تحول”. وعلى هذا الأساس قمت بإعادة ترتيب أفكاري، التى استخلصتها من مؤلفات جارودي وفقاً للتقسيم المرحلي الذى وضعه الدكتور الخشت فى كتابه، واستطعت تسجيل حلقة متميزة بشهادة الكثيرين فى ذلك الوقت.
في وقت لاحق دعتني قناة النيل الثقافية لتسجيل حلقة أخرى عن جارودى، وكدت اعتذر أيضاً، لا لضيق الوقت، لكن لأني لم أشأ أن أكرر نفسى وأعيد ترديد ما سبق أن ذكرته في حلقة التعليم العالى. إلا إننى تراجعت عن قرار الاعتذار نظراً لإعجابى الشديد بفكر جارودي من ناحية، وبمواقفه السياسية من ناحية أخرى، فقررت تسجيل الحلقة، فى شئ من التحدى، بحيث أتحدث عن نفس الشخص ونفس الفكر دون أن أكرر نفس الكلام.
ومرة أخرى وجدتني أعيد نفس التجربة، فأقرأ جارودي، وأقرأ ما كتبه دكتور الخشت، وللغرابة، شعرت وكأني أقرأهما للمرة الأولى  ، ومن ثم شرعت أعيد ترتيب أفكاري على نحو مختلف. فجارودي، بحسب قراءتي الأولى، كان نموذجاً فريداً لنوع خاص من الإيمان الشامل، الذى اعتنق الإسلام دون أن يفرط فى قناعاته الأخرى، الفلسفية والدينية. وجارودي، بحسب قراءتي الأخيرة، كان نموذجاً فذاً للمفكر الغربى الذى اعتنق الإسلام واستطاع أن يحقق ما عجز عنه مفكرو العربية، المسلمون بالوراثة، بأن حول شعار ”الإسلام هو الحل” من مجرد شعار إلى فلسفة.
الحلقتان موجودتان على اليوتيوب. مع خالص الشكر والتقدير لأستاذي الفاضل د. محمد عثمان الخشت، وللعاملين بقناة التعليم العالى وعلى رأسهم أ.سهير مجدى معدة برنامج ”نقطة تحول”، وللعاملين بقناة النيل الثقافية، وعلى رأسهم أ. جيهان سيف معدة برنامج ”ليالى”.
مع أطيب التمنيات بمشاهدة مفيدة وممتعة.


أضف تعليق