د.ماهر عبد المحسن



انصراف الجمهور عن الندوات ظاهرة تستحق التأمل والدراسة، لأنها مؤشر خطر على الحالة الثقافية المتردية فى البلاد، خاصة فى ظل إقبال هذا الجمهور على فعاليات أخرى غير ثقافية، بالمعنى القيمى والإيجابى للثقافة، مثل مباريات كرة القدم، وما عرف بأغانى المهرجانات.
والسبب، فى نظرنا، يرجع لأسباب عديدة، نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، يأتى على رأسها وجود منافس قوى للندوات كشكل من أشكال الثقافة، وهو مواقع التواصل الاجتماعى، فهى أكثر سهولة ومباشرة، وأسرع فى تلبية احتياجات الجمهور الراغب فى التعاطى مع مصادر العلوم والفنون والآداب. حيث يمكنك تحقيق نفس الأهداف الثقافية والمعرفية، وأنت جالس فى بيتك أو مقر عملك أو وسيلة مواصلاتك، من خلال الموبايل، ودون حاجة لتخصيص وقت أو بذل جهد أو إنفاق مال من أجل الانتقال إلى مقار الندوات، التى قد تكون فى أماكن بعيدة أو فى قلب زحام وسط البلد.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن القائمين على هذه الندوات هم فى الغالب ممن ينتمون، عمرياً، إلى الأجيال الأقدم، وهو ما ينعكس على اختيار الموضوعات المزمع مناقشتها، وأسماء الضيوف الذين هم، فى الغالب، ممن ينتسبون لنفس الأجيال القديمة. ولما كان الشباب هم الشريحة المفترض أن تكون الأقدر والأكثر حرصاً على الحضور، فقد كانت النتيجة الطبيعية خواء هذه الندوات من الجمهور، عدا المثقفين أنفسهم القائمين على هذه الندوات، تنظيماً ومشاركةً، ما أدى إلى خلق فجوة بين المثقفين والجمهور، أضحت الندوات، بسببها، نوعاً من المنولوج الداخلى أو المناجاة الخاصة بين المبدعين، ودونما أى تماس مع العالم الخارجى.


أضف تعليق