د. ماهر عبد المحسن

يعتبر مونديال 1982م من أفضل المونديالات في تاريخ بطولات كأس العالم لكثرة المفارقات التي حدثت فيه. فقد شهد مفاجأة من العيار الثقيل في مباراة الافتتاح عندما انهزمت الأرجنتين حاملة اللقب أمام بلجيكا بهدف نظيف، وكانت الأرجنتين تلعب بكامل نجومها وعلى رأسهم مارادونا نجم النجوم فى ذلك الوقت وكابتن الفريق رغم صغر سنه.
كما شهد هذا المونديال أكبر صفقة في تاريخ البطولة عندما وقّع مارادونا لفريق برشلونة الأسباني نظير سبعة ملايين دولار، وهو مبلغ خيالي بمقاييس ذلك الزمان.
وفى هذا المونديال فجّرت الجزائر أكبر مفاجأة عندما هزمت ألمانيا بهدفين مقابل هدف وحيد، وكانت ألمانيا مرشحة للفوز بالبطولة وقد وصلت للنهائي بالفعل إلا أنها خسرت أمام إيطاليا بثلاثة أهداف مقابل هدف، وكان المنتخب الألماني يضم أعظم نجوم أنجبتهم ألمانيا في تاريخها وعلى رأسهم رومينيجة وروبش وبرايتنر وهانز موللر، ولم يكن يُعرف من لاعبي الجزائر سوى الأخضر بللومى ورباح ماجر اللذين سطع نجمهما فى سماء الكرة العالمية بعد هذه البطولة.
كما شهد هذا المونديال أكبر صفقة كروية غير شريفة بين ألمانيا والنمسا عندما اكتفت ألمانيا بالفوز على النمسا بهدف وحيد أدى إلى صعود المنتخبين إلى الدور التالي على حساب منتخب الجزائر الذى فاز على شيلي بثلاثة أهداف مقابل هدفين وخرجت بفارق الأهداف.
وشهد هذا المونديال كذلك أعظم منتخب لفريق فرنسا حيث كان يضم أسطورة فرنسا الكروية ميشيل بلاتيني والعديد من النجوم الآخرين مثل تيجانا صاحب البشرة السمراء وسيكس صاحب القدم اليسرى والأداء البديع وهى نجوم كانت تحظى بمكانة خاصة فى نفوس المصريين من أبناء ذلك الجيل. ووصلت فرنسا إلى الدور قبل النهائي لأول مرة، على ما أذكر، وخرجت بضربات الترجيح بأقدام الألمان في مباراة تاريخية.
وشهدت هذه البطولة واقعة درامية فريدة من نوعها عندما خرج اللاعب الإيطالي المغمور باولو روسي من السجن فى قضية مخلة بالشرف (رشوة تقريبا) وجلس على دكة الاحتياطي، ثم دفع به المدرب فى مباراة دور الثمانية المصيرية أمام البرازيل التي قهرت كل الفرق التي قابلتها في طريقها في هذه البطولة ليحرز روسي ثلاثة أهداف قاتلة في مباراة عجيبة تغيرت نتيجتها أكثر من مرة، وليصاب العالم كله بالصدمة والذهول وهم يرون نجوم البرازيل وهم يودعون المونديال بدموع الحيرة بعد أن أمتعوا عشاق الساحرة المستديرة بالفوز على بلجيكا ونيوزيلاندا والأرجنتين فى مباريات أظهرت فيها البرازيل كل فنون اللعبة وجمالياتها بأقدام نجومها الذين لم يتكرروا ثانية سقراط وزيكو وجونيور وباولو ازيدورو وإيدر وفالكاو.
ويلعب النجم الإيطالي الاحتياطي المغمور أساسيا في المنتخب الإيطالي بعد هذه المباراة، ويستطيع أن يقصى بولندا بهدفين فى المباراة قبل النهائية، وأن يحرز هدف الافتتاح فى المباراة النهائية أمام الماكينات الألمانية في حضور الرئيس الإيطالي، وليحمل باولو روسي كأس البطولة ولقب هداف كأس العالم برصيد خمسة أهداف .
ومن المفارقات التي لا يمكن أن تنسى في هذه البطولة أنها شهدت أسوأ حارس مرمى في تاريخ البرازيل واسمه فالدير وهو الحارس الذى كان يمكن للكرة أن تدخل مرماه من أي زاوية وبأي قوة.
وأخيرا يمكننا القول إن هذه البطولة شهدت أول ظهور لطريقة اللعب الإيطالية التي فازت إيطاليا بموجبها بالبطولة واستطاعت أن تتفوق على كل المدارس الكروية التى قابلتها بما فيهم البرازيل وألمانيا، وهى طريقة “الكاتانتشو” الدفاعية التي نقلها المدرب المصري المتميز محمود الجوهري إلى منتخب مصر واستطاع أن يصل بها إلى مونديال 90 في إيطاليا، ويحقق نتائج كان لها وقع المفاجأة، وكان يمكنه أن يدخل التاريخ هو ومنتخب مصر لولا تعنته مع نجم المنتخب طاهر أبي زيد اللاعب الوحيد الذى كان يملك الحلول فى مباراتيه المصيريتين أمام إيرلندا وانجلترا، إلا أنه أصر على أن يجلسه على دكة الاحتياطي، وهذا موضوع طويل يستحق مقال آخر.


أضف تعليق