د.ماهر عبد المحسن
لما كان للاستعمار تاريخ طويل، وآثار بعيدة المدى، فإن البلدان والمجتمعات التي كانت واقعة تحت نير الاحتلال لم تقف مكتوفة الأيدي، وإنما عملت –دائمًا- على التحرر من ذلك الكابوس على المستويين العسكري والفكري. وفي هذا الأخير ظهرت الكثير من الدراسات الناقدة والمحللة للاستعمار، حتى تأسس -في السنوات الأخيرة- ما يُعرف بالدراسات ما بعد الكولونيالية، وهي دراسات تُعني بإعادة كتابة التاريخ والثقافة من وجهة نظر البلاد التي كانت محتلة، بحيث تملك الحق والحرية في التعبير عن نفسها بمعزل عن الصندوق الأسود الذي ظلت البلدان الأوروبية المستعمرة محتفظة به ومحتكرة لأسراره، وهي في الحقيقة ليست أسرارًا معبِّرة عن حقائق بقدر ما هي ميراث وهمي ضخم من الحيل والأكاذيب.
الدراسات العربية ما بعد الاستعمارية:
بالرغم من أن بداية الدراسات ما بعد الاستعمارية يؤرخ لها دائمًا بكتابات المفكر الفرنسي فرانز فانون في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وكتابات المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في السبعينيات، إلا أن الجهود الفكرية العربية حول الاستعمار بدأت قبل ذلك، ربما مع بداية القرن وحركة الإصلاح الديني التي قامت على أكتاف الأفغاني ومحمد عبده، ولم تتوقف حتى الآن. غير أن هذه الجهود كانت -في أغلبها- تتسم بالنزعة الدينية الإسلامية، خاصة بعد سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا عام 1924، وبات الإسلام في خطر محدق. ولأن هذه الكتابات كانت نابعة من العاطفة الدينية بالأساس فقد غلب عليها اللغة الأدبية والشواهد التاريخية دون اهتمام كبير بالمنهج، بنحو ما تبدى في كتابات أنور الجندي خاصة في “الإسلام والاستعمار” و”العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي” ومحمد الغزالي في “الاستعمار أحقاد وأطماع”.
وفي المقابل نجد كتابات أخرى عربية تغلب عليها النزعة الأكاديمية المنهجية التي تُعني بتحديد المفاهيم والاستشهاد بالنصوص، لعل أبرزها ما كتبه مالك بن نبي في “شروط النهضة”، وما كتبه إدوارد سعيد من دراسات ناقدة حول مفهوم الاستشراق وآليات اشتغاله في كتابيه “الاستشراق” و”تعقيبات على الاستشراق”.
وبالرغم من أن دراستنا ليست تاريخية، ولا ترصد تطورًا زمنيًّا معينًا يمكن أن يُستخلص منه نتيجة ما، إلا أننا هنا في تناولنا لإسهام إدوارد سعيد في الكتابة حول الاستعمار، إنما نعتبر أنفسنا قد وصلنا إلى ذروة التطور المنهجي في هذا النوع من الكتابات. ذلك أن سعيد قد انطلق من خلفيات ثقافية ومنهجية مسبقة ارتبطت بعمله الأكاديمي وتخصصه الدقيق في الأدب المقارن، واطلاعه على مدارس النقد المختلفة وإسهامه المتميز في هذا المجال. لذلك أتى كتابه “الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق” كواحد من أهم الدراسات ذات الريادة في حقل “الدراسات ما بعد الاستعمارية”.
لهذه الأسباب سيكون تركيزنا في هذا المقال على قضايا وإشكاليات المنهج الذي استخدمه سعيد في هذا الكتاب، لنرى إلى أي مدى يمكن الاستفادة من المنجزات المنهجية والنظرية الغربية في دراسة الغرب نفسه، وكيف أن الإنسان العربي والمسلم يمكنه أن يجمع بين العاطفة الدينية من ناحية وبين العقلية العلمية المنهجية من ناحية أخرى، دون أن يكون ذلك –بالضرورة- تخليًا عن الأصول وعن الهوية والذوبان في الآخر، أو العمل كسخرة تحت إمرته بحيث نحقق أغراضه ونردد أقواله ومفاهيمه وثقافته دون وعي كالببغاء.
مفهوم الاستشراق عند إدوارد سعيد:
في الحقيقة أن إدوارد سعيد قد وضع مقدمة ضافية يمكن أن تغطي تمامًا هذا المسعى المنهجي من جانبنا، ومن جانب أي باحث يود أن يقف على حقيقة المعضلة المنهجية التي غابت عن المفكرين الإسلاميين طويلًا تحت تأثير العاطفة الدينية المشبوبة والغيرة الشديدة على الدين، وهي مسألة مشروعة لا يجوز المصادرة عليها، لأن الدين بالنسبة للعربي عمومًا وللمسلم على وجه الخصوص هو الذي يحفظ الهوية والوجود ويحدد المصير.
وإذا أردنا أن نمضي مع سعيد في منهجه لدراسة الاستشراق، الذي هو واحد من أهم الأدوات الاستعمارية لفرض هيمنة الغرب على الشرق، فسنلاحظ أن سعيد يستهل مقدمته بمحاولة لرصد وتحديد الصورة الذهنية للشرق في الوعي الأوروبي والأمريكي. وهي خطوة منهجية بامتياز لأنها ستكون نقطة الانطلاق للتحديد الدقيق لما يُعرف بـ”الشرق”. والملاحظة النيِّرة التي يلتقطها سعيد هي أن مفهوم “الشرق” أو صورته تختلف لدى الأوروبيين (الذين يمثلون الاستعمار القديم) عن صورته لدى الأمريكيين (الذين يمثلون الاستعمار الحديث). ولأن الشرق بالنسبة للأوروبيين جزء لا يتجزأ من الحضارة المادية والثقافة الأوروبية، فإنه يرتبط بحركة الاستشراق الذي يعبِّر عن هذا الجانب ويمثله ثقافيًّا وفكريًّا باعتباره أسلوبًا للخطاب، وبهذا المعنى سيكون عمل سعيد هو تحليل هذا الخطاب.
وبالرغم من أن للاستشراق معانيَ عديدة، فإن سعيد يتعامل مع الاستشراق بمعناه الأعم والأشمل. فالاستشراق موضوع دراسة سعيد هو “أسلوب تفكير يقوم على التمييز الوجودي والمعرفي بين ما يسمى “الشرق”، وبين ما يسمى (في معظم الأحيان) “الغرب””. (إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ت: د.محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، سنة 2006، ص45)
ويعني ذلك أن كل من يجعل نقطة انطلاقة هذا التمييز بين الشرق والغرب يدخل ضمن الاستشراق سواء أكان من الشعراء أو الروائيين أو الفلاسفة، أو أصحاب نظريات سياسية أو اقتصادية. وعلى ذلك يمكن لهذا اللون من الاستشراق أن يضم أيسخولوس، وفكتور هوجو ودانتي وكارل ماركس.
وبتأثير من فكرة ميشيل فوكوه عن “الخطاب” التي عرضها في كتابيه “علم آثار المعرفة” و”التأديب والعقاب” يؤكد سعيد على ضرورة دراسة الغرب باعتباره أحد أشكال “الخطاب”، فيقول: “إننا مالم نعرض الاستشراق باعتباره لونًا من ألوان “الخطاب” فلن نتمكن مطلقًا من تفهم المبحث البالغ الانتظام الذي مكَّن الثقافة الأوروبية من تدبير أمور الشرق -بل وابتداعه- في مجالات السياسة وعلم الاجتماع، وفي المجالات العسكرية، والإيديولوجية، والعلمية، والخيالية، في الفترة التالية لعصر التنوير”. (نفس المرجع، ص46)
ومن هذا المنطلق يرى سعيد أن الاستشراق لا يمكن تحديده بعامل واحد، ولكن بشبكة كاملة ومعقدة من المصالح المتداخلة، والتي تشارك في أي مناسبة تتعلق بذلك الكيان الغريب الذي يسمى “الشرق”. فكتاب الاستشراق -على نحو ما يصرح سعيد- هو محاولة للكشف عن الكيفية التي زادت بها الثقافة الأوروبية من قوتها ودعمت هويتها من خلال وضعها لذاتها في مقابل الشرق باعتبارها ذاتًا بديلة أو حتى دفينة. وفي هذا السياق يقول: “ولكن ظاهرة الاستشراق التي أدرسها هنا ليس موضوعها مدى اتساق الاستشراق في تصوير الشرق “الحقيقي”، ولكن موضوعي الرئيسي هو الاتساق الداخلي للاستشراق والأفكار التي أتى بها عن الشرق (كالقول بأن الشرق حياة عملية) بغض النظر عن أي صدق أو كذب في تصوير الشرق الحقيقي. (نفس المرجع، صص48– 49)
ولا يقف سعيد عند المعنى الشامل لمفهوم “الشرق”، وإنما يرمي إلى دراسة القوة المحركة للاستشراق، فالخيال وحده ليس هو الذي خلق صورة الشرق، وجعله يتخذ الصورة التي رسمها المستشرقون، ولكن العلاقة التي بين الغرب والشرق، والتي هي علاقة قوة وسيطرة، ودرجات متفاوتة من الهيمنة المركبة. فكما أن الاستشراق ليس خيالًا، فهو أيضًا ليس مجرد مجموعة من الأكاذيب أو الأساطير التي يمكن دحضها فتذهب أدراج الرياح، بل هو خطاب يتسم بقوة متماسكة متلاحمة الوشائج والروابط بينه وبين المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمنحه القوة، والقدرة الفائقة على الاستمرار، “إنه كيان له وجوده النظري والعملي، وقد أنشأه من أنشأه، واستثمرت فيه استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال عديدة. وقد أدى استمرار الاستثمار إلى أن أصبح الاستشراق، باعتباره مذهبًا معرفيًّا عن الشرق، شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين”. (نفس المرجع، ص50)
ومن الملاحظ أن النتيجة الخطيرة التي توصل إليها سعيد في هذا السياق، إنما لا تقتصر على وعي المفكرين والباحثين الغربيين ولكن تمتد إلى الثقافة العامة، بحيث يصبح ما يقول به الاستشراق بمثابة الحقائق والمسلمات العلمية التي يتم قبولها والبناء عليها دون نقد أو تمحيص. والمسألة هنا على هذا النحو إنما تذكرنا بـ”معامل الاستعمار” الذي حدثنا عنه مالك بن نبي، غير أن المسألة هنا تصل إلى أبناء الغرب المستعمر نفسه وليس فقط الشعوب المستعمرة. ويؤكد كلامنا ما قام به سعيد من تحليل لبنية الخطاب الاسشتراقي التي تقوم على إظهار التفوق الغربي من جانب، والتخلف الشرقي من جانب آخر.
منهج إدوارد سعيد في دراسة الاستشراق:
ولا يكتفي سعيد بطرح فرضياته التي سيشتغل عليها في الكتاب، لكنه يفرد مساحة في مقدمة الكتاب لشرح ومناقشة منهجه في البحث والكتابة -وهو منهج خاص ابتكره لنفسه في هذا الكتاب- من خلال ثلاثة جوانب مستمدة من واقعه الشخصي على نحو ما صرح هو نفسه.
الجانب الأول، هو التمييز بين المعرفة البحتة والمعرفة السياسية، وهو في هذا الجانب لا يعترف بالبحث النزيه أو الدراسة الموضوعية التي تطالب بها أو -بمعنى أدق- تدَّعيها الأكاديميات الأمريكية، خاصة فيما يخص البعد السياسي. فالسياسة -في كل الأحوال- هي عنصر فاعل في البحث العلمي، مهما حاول الباحث أن يتظاهر بعكس ذلك، وفي هذا الصدد يقول سعيد: “إنني أدرس الاستشراق باعتباره صورة للتبادل أي التفاعل الدينامي بين المؤلفين الأفراد والمشاغل السياسية الكبرى التي شكلتها الإمبراطوريات العظمى الثلاث البريطانية والفرنسية والأمريكية، وهي التي نبتت في تربتها الفكرية والإبداعية كتاباتهم”. (نفس المرجع، ص٦)
الجانب الثاني، هو المسألة المنهجية، وتمثل نقطة الانطلاق في البحث المتعمق الذي ينوي أن يجريه سعيد. ولما كانت المادة من الضخامة بحيث لا يستطيع أن يحيط بها جميعًا فإنه يجعل نقطة البداية متمثلة في الخبرة البريطانية والفرنسية والأمريكية بالشرق باعتبارها وحدة متماسكة، إلى جانب الخلفية التاريخية والفكرية التي أتاحت تكوين هذه الخبرة، وكذلك نوع وطابع هذه الخبرة، ليس هذا فحسب بل ويقصرها على الخبرة الأنجلو فرنسية والأمريكية بالعرب والإسلام. ولما كانت علاقة الغرب بالشرق تتدخل فيها الأبعاد السياسية من ناحية وعلاقات القوة من ناحية أخرى، فإن سعيد يطرح منهجه في تحليل السلطة على النحو التالي: “أما وسائلي المنهجية الرئيسية لدراسة السلطة هنا فتنحصر في اثنتين، يمكن أن نطلق على الأولى تعبير “الموقع الاستراتيجي”، وأعني به طريقة وصف موقع المؤلف في أحد النصوص إزاء المادة الشرقية التي يكتب عنها، والثانية هي “التشكيل الاستراتيجي”، وأعني به طريقة تحليل العلاقة فيما بين النصوص، والوسيلة التي تتمكن بها مجموعة من النصوص، أو أنماط النصوص، بل وأجناس النصوص، من اكتساب الصلابة والكثافة والقوة المرجعية فيما بينها أولًا ثم في الثقافة بصفة عامة بعد ذلك”. (نفس المرجع، صص68– 69)
ومن الأمور اللافتة في هذا الجانب المتعلق بالمنهجية هو وعي سعيد بأنه إنما يؤسس لعلم جديد أو مجال معرفي جديد يحتاج إلى جهود أكبر من قبل باحثين آخرين، فيقول: “وكان عزائي لنفسي أن قلت إن هذا الكتاب حلقة من حلقات، وآمل أن يبدي غيري من الباحثين والنقاد الرغبة في حلقات أخرى.. وقد يكون أهم عمل على الإطلاق هو القيام بدراسات في البدائل المعاصرة للاستشراق، أو التساؤل عن كيفية دراسة الثقافات والشعوب الأخرى من منظور تحرري أو بريء من القمع والتلاعب”. (نفس المرجع، ص 74)
الجانب الثالث، هو البعد الشخصي، ونحن نعتبره أهم جانب بالنسبة لدراستنا الحالية، لأن فيه يكشف سعيد بكل صراحة ووضوح عن الأسباب الذاتية والقومية التي دفعته لدراسة الاستشراق.
وهو في تصريحه بهذه الأسباب والدوافع إنما يؤسس لمنهجية جديدة تعترف بالبعد الذاتي والنفسي من ناحية، وبالسياق السياسي من ناحية أخرى. وفي هذا الصدد يعترف بأن شرقيته هي التي كانت وراء إقدامه على هذا العمل، وهي “شرقية” كثيفة محملة برصيد كبير من الخبرات الحياتية والتاريخية التي لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، فيقول: “ومعظم رصيدي الشخصي الذي استثمره في هذه الدراسة مستمد من وعيي بأنني “شرقي” باعتبار أنني نشأت طفلًا في مستعمرتين بريطانيتين، أما تعليمي، في هاتين المستعمرتين (فلسطين ومصر) وفي الولايات المتحدة، فقد كان كله غربيًّا، ومع ذلك فإن ذلك الوعي المبكر العميق ظل قائمًا”. (نفس المرجع، ص76)
ومن الناحية التاريخية يرصد سعيد أسباب شيطنة الغرب للشرق العربي والإسلامي، ويحددها في ثلاثة عوامل: الأول، هو تاريخ التعصب الشائع في الغرب ضد العرب والإسلام، وهو الذي يتجلى مباشرة في تاريخ الاستشراق، والعامل الثاني هو الصراع بين العرب والصهيونية الإسرائيلية وتأثير ذلك الصراع في اليهود الأمريكيين وفي الثقافة المتحررة وفي السكان بصفة عامة، والعامل الثالث هو الانعدام شبه التام لأي موقف ثقافي يتيح للفرد التعاطف مع العرب أو الإسلام، أو مناقشة أيهما مناقشة غير انفعالية. (نفس المرجع، ص78)
ونلاحظ أن سعيد يحرص على الفصل بين العرب والمسلمين من ناحية، وضمهما في فئة واحدة هي “الشرق” من ناحية أخرى. وفي كل الأحوال لا يميز بينهما حين التعرض لتحليل العلاقة بين الغرب والشرق، فكلاهما عانى من الاستعمار، وكلاهما كان موضوعًا لأطروحات مضللة قدمها المستشرقون وباتت مسلمات في الوعي الثقافي الغربي العام.
كما يلاحظ أن سعيد لا يقف -مثل الجندي والغزالي ممن كتبوا عن الاستعمار من منظور ديني- مدافعًا عن الدين ضد الهجمات الاستعمارية، لكنه يقف منصفًا لشرقيته ولعروبته، ولإنسانيته، فخبرته في الحياة في أمريكا كشفت له كيف أنه غير موجود سياسيًّا، وإذا سُمح له بالوجود فإنهم يعتبرونه إما مصدر إزعاج أو شخصًا شرقيًّا وحسب. ومما يؤكد نزعته اللادينية في الكتاب قوله: “ولقد تمكنت من استخدام مشاغلي الإنسانية والسياسية في تحليل ووصف موضوع دنيوي إلى حد كبير، وهو نشأة وتطوير وتدعيم الاستشراق”. (نفس المرجع، ص٧٩)
وأخيرًا، نلاحظ كيف استطاع سعيد أن يستفيد من المنجزات المنهجية الغربية في مجال العلوم الإنسانية ويوظفها بحيث تكون أداة لكشف وفضح مثالب وعيوب الاستشراق، خاصة في رجوعه إلى فيكو وميشيل فوكو، وأنطونيو جرامشي.
وفي كل الأحوال، فنحن في حاجة إلى كلا الرؤيتين الدينية والدنيوية، وإلى كلا المعرفتين النقلية والعقلية، وإلى كلا الخطابين العاطفي الأدبي والعلمي المنهجي. وإذا كان ثمة تناقض ظاهر في المواقف المتباينة بين المعسكرات المتعارضة، فإن العداء المشترك للغرب، والخضوع المشترك لهيمنته، والشعور المشترك بالقهر والظلم تجاهه، من شأنه أن يوحد الفصائل المتباعدة ويضم الجهود المشتتة، ويستكمل الرؤى المتشظية والمجتزئه، حتى يمكن تصحيح الرؤية، وتركيز القوى، ومن ثم إحداث التغيير.

