د. ماهر عبد المحسن

في سنوات المراهقة الأولى كانت تنحصر قراءاتي في نوعين من الكتب: كتب السحر وكتب الجنس. وأذكر أنى قرأت كتابا من كتب التراث القديمة المعروفة لدى المثقفين بالكتب الصفراء. وكان كتابا في السحر، يتناول كيفية كتابة الاحجبة والطلاسم لفك الكرب وعلاج الامراض وجلب الحبيب. وقد عثرت في هذا الكتاب على باب لتنشيط القدرة الجنسية، ومن أغرب ما قرأته فى هذا الباب أن أفضل وقت لممارسة العلاقة الحميمية بين الزوجين هو بعد أن تنتهى الزوجة من عمل شاق في البيت، والسبب في رأى المؤلف-الذى لا أذكر اسمه- هو أن جسم المرأة يكون فائرا ودافئا في تلك الأثناء وهو ما يجلب للزوج شعورا أكبر بالمتعة.
وقتها كان خيالي المراهق يسبق عقلي، فلم يستوقفني في كلام المؤلف سوى الصورة الذهنية لذلك النعيم الذى ينتظرني في المستقبل والذي حتما سوف استشعره بعد أن تنتهى الزوجة من عملها الشاق. لكنى الآن وبعد هذه السنوات الطوال أعود لقراءة الموقف في ضوء جديد من المعرفة والخبرة لأكتشف حجم النزعة الذكورية التي كانت تهيمن على ذلك التراث بحيث تنظر للمرأة كمحض أداة لمتعة الرجل. ليس هذا فحسب بل إن هذه النزعة تصرّ على فرض هيمنتها حتى في اللحظات التي تثبت فيها المرأة أن لها كيانا وشخصية وليست مجرد أداة، وهى لحظات العمل.
الملاحظة الأخرى في هذا الخطاب أنه ينظر للمسألة من زاوية الرجل، أى أنه في الوقت الذى يحرص فيه على تحقيق أكبر متعة للرجل يغض الطرف عن الحالة النفسية والبدنية للمرأة. فالمعادلة وفقا لبنية هذا النوع من الخطاب مختلة وظالمة، لأنها تقوم على المتعة في جانب والمشقة في الجانب الآخر، بل إنه، و يا للعجب، يجعل من المشقة نفسها سببا مباشرا للمتعة، ليس هذا فحسب، لكن سببا سحريا كذلك يقدمه المؤلف كواحدة من الأسرار المجربة التي ينصح بها الرجال الباحثين عن السعادة في حدودها القصوى.
المسألة على هذا النحو تبدو تقليدية، وربما يرى البعض أن كفاح الحركات النسوية من ناحية، وازدياد الوعى الثقافي والحضاري للرجال من ناحية اخرى، أدى إلى تجاوز هذا الظلم، والحقيقة أن المعادلة مازالت ظالمة ومختلة. فالمرأة اليوم تعمل خارج البيت بجوار عملها بالبيت ومسؤولياتها الأخرى الكثيرة التي تتقاسمها مع الرجل، ومع ذلك مازال المشهد ثابتا كأن الزمن قد توقف عند ثلاثية نجيب محفوظ!
المرأة تأتى من عملها، لتقوم بإعداد الطعام، وترتيب البيت، والإشراف على مذاكرة الأولاد، بينما يجلس الرجل منتظرا على أحرّ من الجمر أن تأتى له الزوجة بكوب الشاي أو فنجان القهوة حتى ينعم بتناوله أثناء مشاهدته لمباراة كرة القدم.
انها نفس المعادلة .. مشقة وعذاب في جانب، ومتعة ونعيم في جانب اخر!


أضف تعليق