د. ماهر عبد المحسن


عبارة “أنا ماشي جنب الحيط” يرددها كثيراً هؤلاء الذين يعيشون في الظل ويؤثرون السلامة، وهم عندما يطلقون هذه العبارة إنما يطلقونها لإثبات حسن سيرهم وسلوكهم في الحياة، وتأتي في الغالب في مواقف الاتهام أو الشبهة التي تستدعي إبراء ساحتهم.
والمشي جنب الحيط فلسفة يتبناها نوع من الناس لا يرغبون في تحمل المسؤولية، فلا ينخرطون في الحياة السياسية، ولا يسعون إلى تقلد المناصب، فقط يتعاطون مع مفردات الحياة في حدودها الدنيا التي لا تضمن لهم أكثر من العيش البسيط في أمان.
فهي فلسفة وقائية تضمن لصاحبها الحماية من التورط في أمور، سياسية أو اجتماعية أو مهنية، قد تجر عليه من المشاكل والأعباء ما لا تطيقه نفسه.
والحقيقة أن المشي جنب الحيط لم يعد يجدي في زمن انتشار كاميرات المراقبة.. أعني أن مسألة العيش في الظل لم يعد لها معنى بعد أن صار الإنسان البسيط مرئيا من قبل السلطة بكافة أشكالها. ولعل في النموذج المهني ما يؤكد هذا المعنى، فكثيراً ما يحرص البعض على عدم الظهور، و الامتناع عن الاقتراب من القيادات وأصحاب القرار، حتى يظلوا في أماكنهم المتواضعة، ينعمون بالراحة والابتعاد عن المسؤولية والصراعات الإدارية على المناصب، غير أنه يحدث فجأة أن يتم نقل هؤلاء من أماكنهم التي ظنوها آمنة إلى أماكن أخرى وأعمال أخرى أكثر تعقيدا وإثارة للقلق!
يحدث ذلك، غالباً، دون رغبة الشخص، وبالرغم من عدم سعيه إلى ذلك.. والحل في الواقع لا يكون في محاولة الهرب من المسؤولية أو التراجع عن تقلد المنصب، لكن في التكيف مع الوضع الجديد، دون أن نفقد نزوعنا نحو الهدوء والأمان، والرغبة في التمتع بحياة صافية، بل وحالمة إذا شئنا. فقط علينا أن ندرك أن الحائط الذي كنا نفضل السير بجانبه لا يمكن لأي سلطة أن تبعدنا عنه، لأنه، في الحقيقة، يقبع بداخلنا لا خارجنا كما كنا نظن!
فالحائط هو عالمنا الخاص الذي صنعناه بأنفسنا، والذي يتفق وميولنا الذاتية التي نمت داخلنا بالفطرة، والتي أضفنا إليها من خبراتنا ومكتسباتنا الحياتية. إننا بهذا المعنى لا نبحث عن حائط نحيا في ظله خوفاً من غدر العالم الشرير الذي يسحق المهرولين في وسط الميدان، الواقعين في مرمى الشمس الحارقة التي لا ترحم، لكننا نتحرك بحرية دون أن نفقد إيماننا بإمكانية العيش في سلام، لأن الحائط الذي بداخلنا ينتقل معنا أينما ذهبنا.
فهو الذي سيمنحنا القدرة على العيش تحت أي ظروف، دون أن نفقد سلامنا الداخلي، وإحساسنا الفريد بالمتعة بالرغم من تراكم أسباب الشقاء، ليس هذا فحسب لكن يمكننا أيضاً مد هذا الحائط بحيث يمنح نفس الشعور للآخرين ممن يلتفون حولنا ويعيشون في ظلنا!


أضف تعليق