د. ماهر عبد المحسن

في واحد من أفلام الرعب الشهيرة (الفزع الرهيب)، التي شاهدتها في مرحلة الشباب كانت هناك أسرة سعيدة تقطن في منزل جديد، وقد اعتادت أن تشاهد التليفزيون ليلاً في غرفة النوم، وقبل نهاية الإرسال كان النوم يغلب الأب والأم وطفلتهم الصغيرة. غير أن صوت التليفزيون بعد نهاية الإرسال والأضواء الفضية التي كانت تخرج من شاشته كانت توقظ الطفلة، التي كانت تهبط من فوق السرير ثم تقف أمام التليفزيون في لحظات تأمل غريبة، وتضع إصبعها على الشاشة في شيء من الفضول المريب.
وفي أحد الأيام تختفي الطفلة من المنزل، ويظل صوتها يتردد ليلاً في أرجاء المنزل، وهي تخاطب أمها المكلومة بأنها في مكان ما لا تعرفه مع قوم التليفزيون..
وبعد أحداث مرعبة ومثيرة تنجح سيدة خبيرة بالظواهر الروحية الخارقة في استعادة الطفلة، وقبل أن ينهار المنزل على الجميع تنجح الأسرة في الفرار، ليكتشف رب الأسرة في مشهد النهاية، أن المنزل كان مقاماً على أرض كانت في الأصل مدافن للموتى الذين تركهم صاحب المنزل الأصلي واكتفي بإزالة شواهد القبور.
الفيلم كان مرعباً والفكرة أكثر رعباً، لكني أذكر أن تعبير “قوم التليفزيون” الذي جاء على لسان الطفلة، كان مثيراً بالنسبة لي وقد استوقفني كثيراً ربما لسنوات طويلة تالية، لأننا جميعاً عندما كنا أطفالاً كنا نظن أن الشخصيات التي نراها على الشاشة حقيقية، وأنها تعيش داخل التليفزيون وتمارس حياتها بعد انتهاء الإرسال وبعد أن يخلد المشاهدون إلى النوم! فقط الكبار هم الذين كانوا يدركون الحقيقة لذلك كانوا ينامون دون مقاومة، أما الأطفال فكثيرا ما كانوا يعانون من أرق الفضول السحري الذي كان يجذبهم إلى الشاشة الفضية بعد منتصف الليل، حيث يغيب الكبار عن الوعي بينما يقع الكون كله تحت رحمة قبضة غيبية خارقة، لا حدود لقوتها.
اليوم تتحقق النبوءة، ويستمر الإرسال لمدة أربع وعشرين ساعة، يعيث خلالها الفنانون والمشتغلون بالإعلام فساداً في كل وقت، ولا يقع تأثيرهم على الصغار من أصحاب البراءة فحسب، لكن الكبار كذلك. فالذين يغيبون عن الوعي، والذين يعيشون مسلوبي الإرادة، والذين لا يملكون القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، وبين الواقع والزيف، هم الأكثر قابلية لأن يكونوا فريسة لقوم التليفزيون، الذين يختطفون العقل ويدمرون الروح بعد أن بنوا مدينتهم الفاسدة على أنقاض مدينة لم يُراد لها أن تكون فاضلة، وجثث شائهه ضحى أصحابها بأرواحهم في سبيل البحث عن فردوس مفقود!


أضف تعليق