د. ماهر عبد المحسن

عندما مثل عمر الشريف فيلماً مع النجمة باربرا سترايسند هاجموه لأنه يمثل مع فنانة يهودية، وكان رده أن قال: “عندما أقبّل نجمة سينمائية لا أسألها عن ديانتها”. وبالمنطق نفسه وجدتني أكتب عن نتالي ساروت وآيريس مردوخ وحنه أرندت، وكلهن كاتبات يهوديات.
والحقيقة أن الموضوع بدا لي مقلقاً في البداية، فالصدفة وحدها لا تصلح دليلاً علي حسن نيتي، لكني عندما عدت بذاكرتي للوراء تذكرت أن دوافعي للكتابة كانت دائماً هي حبي للفكر وللكتابة، فأنا دائم البحث عن كل ما هو جديد ومدهش، على الاقل بالنسبة لي، بغض النظر عن ديانة الأشخاص أو توجهاتهم الفكرية.

وبهذا المعني، كتبت عن المخرج اليهودي ستيفن سبيلبرج، لأني كنت عاشقاً لأفلامه، وكتبت عن فيلمه “قائمة شندلر” تحديداً لأنه فيلم يستحق المشاهدة بالرغم من أنه فيلم دعائي يروج لفكرة “المحرقة اليهودية”، وكتبت عن سارتر الملحد، وألبير كامو العبثي التشاؤمي، وعن كانط وهيجل اللذين يضمنان مؤلفاتهما أفكاراً سلبية حول الإسلام والمسلمين!
والمسألة لدي تتجاوز فكرة التسامح وقبول الآخر، وتتحول إلى قبول الأنا والتعبير عن الذات، فعندما أكتب عن الآخرين أكون في الحقيقة أكتب عن نفسي وأعبّر عن أفكاري ورؤيتي الخاصة من خلال أفكار الآخرين ورؤاهم سواء كنت أتفق أو اختلف معهم، محتفياً بهم أو ناقداً لهم.
فكثيراً ما أكتب وفق ما يقترحه الآخرون، عندما يتعلق الأمر بالنشر في مجلة أو المشاركة في ندوة أو مؤتمر، حيث تكون هناك محاور معدة سلفاً ينبغي الالتزام بها. وقد يكون الأمر من قبيل المجاملة عندما يطلب مني البعض الكتابة عن أحد مؤلفاته، وقد يكون رغبة مني في الوفاء بجميل أسداه البعض الآخر من الاصدقاء والمعارف الذين تربطني بهم أواصر مودة.

وفي كل الأحوال أكتب بإخلاص وأعتز بما أكتب، لأني أرى نفسي في مرآة الأخرين وأري الآخرين في مرآتي. كما أني لا أشعر بكينونتي الحقيقية إلا عندما أمسك بالقلم واشرع في الكتابة، أي كتابة. ومن المواقف التي لا تخلو من طرافة أني كتبت قصة ذات يوم لأحد زملائي في الجامعة بناء علي طلبه حتي ترضى عنه خطيبته، وأذكر أني في موقف آخر كتبت قصيدة لزميل آخر في المدرسة حتى يفوز بحب فتاة لا يعرفها ألقت عليه تحية الصباح ذات مرة على سبيل الخطأ!


أضف تعليق