د. ماهر عبد المحسن
في فيلم الباطنية الذي تم انتاجه عام 1980وأخرجه حسام الدين مصطفى عن قصة لإسماعيل ولي الدين وسيناريو وحوار مصطفى محرم، ووسط أجواء ساخنة ومشحونة بالدم والبارود وأدخنة المخدرات تظل نادية الجندي بطلة الفيلم ونجمة الجماهير في ذلك الوقت بكامل ميكياجها وتأنقها وكأنها قادمة على سبيل الخطأ من كواليس فيلم آخر أو عالم آخر ينتمى إلى الطبقات الأرستقراطية، لا إلى منطقة الباطنية الشعبية المعروفة خلف حي الازهر التي كانت تتاجر في المخدرات في وضح النهار تحت سمع وبصر السلطة، و في تحد سافر استمر لسنوات طويلة.
تستمر الأحداث وتتطور المواقف وتمر السنون، وتتبدى ملامح الكبر على وجوه معظم الشخصيات، ويغزو الشيب كل الرؤوس، بينما تظل نادية الجندي أو وردة محتفظة بشبابها وجمالها ونضارتها حتى اللحظات الأخيرة التراجيدية من الفيلم عندما تدرك بعد فوات الأوان أنها، في لحظة عبثية، قد استأجرت من يقتل ابنها دون أن تعرف أنه ابنها، وعندما تهرع إلى إنقاذه يسقط صريعا غارقا في دمه بين أحضانها وهى تصرخ بجنون ” أنا اللي قتلتك بإيدي”.
تذكرت هذه الأحداث وأنا أتأمل حالنا الآن .. فنحن لا نختلف كثيرا عن نادية الجندي. فبرغم سخونة الأحداث التي نعيشها، ورغم ضيق العيش، ورغم الجثث التي تتساقط يوميا، مازلنا نحتفظ بأفكارنا الأرستقراطية القديمة بكامل ميكياجها وتأنقها.. رغم مرور السنون وتغير الشخصيات والأحداث مازلنا نتعاطى المواد المخدرة نفسها، مباريات الكرة وبرامج التوك شو وأفلام السبكي، تماما مثلما كانت تعيش وردة في غرزتها وسط المساطيل والغائبين عن الوعى. في انتظار لحظة انتقام عمياء لا تدرى أين ولا كيف ستجيئ.
نحن نعيش على أمل أن يظهر بيننا “سفروت”، البطل المخلص الذي يحيا بيننا متنكرا، لكنه حتما سيكشف لنا عن شخصيته في اللحظة المناسبة عندما تتأزم الأمور وتحيط بنا المخاطر من كل جانب.
رغم كل ملامح الكبر والعجز التي أصابت العالم من حولنا مازلنا، مثل نادية الجندي، نحتفظ بشباب كاذب ونضارة ملفقة. ويوما ما في اللحظات الأخيرة من حياتنا سندرك، بعد فوات الأوان، أننا في لحظة عبثية قد استأجرنا، بحر مالنا، من سيغتال هويتنا كما سبق وأن اغتال وعينا. ولحظتها، مهما هرعنا ومهما صرخنا لن نستطيع إنقاذ ابننا الوحيد، الذي سلمناه بأيدينا للعقاد وعصابته.. وسلم لي على البتنجان!!

