د. ماهر عبد المحسن
يتمتع البسطاء بألوان كثيرة من السعادة أهم ما يميزها كونها قليلة التكلفة، لكنها سريعة وزائلة. وأبرز مظاهر هذه السعادة هو الشعور بالارتياح، فهي ليست انفعالا عارما ولكن شعورا سارا وهادئا ولا يتجاوز التعبير عنه فعل الابتسام وغالبا الصمت اللذيذ.
من أبرز ألوان هذه السعادة أن تفوز بمقعد خال في حافلة مزدحمة بالركاب أو تحصل علي حصتك من الخبز بعد أن تقف طويلا في طابور ممتد أمام المخبز أو أن تمضي في سلام بعد أن تستوقفك لجنة شرطية للتحري عن شخصيتك المتهمة أصليا حتي تثبت العكس. يحدث الشعور نفسه عندما تغادر مقار المصالح الحكومية وقد استخرجت أوراقك الرسمية رغم زحام المواطنين وجهامة موظفي الدولة وحرارة الطقس المتقلب.
إنها نشوة الانتصار في معارك يومية صغيرة وتحقيق لأهداف قريبة، لكنها عزيزة المنال. والحقيقة أنها ليست سعادة حقيقية، ولكن نوعا من الارتياح يحدث لهؤلاء البسطاء من الناس، الذين يحرصون طوال الوقت علي التصالح مع المجتمع ومع النظام، ويبتعدون بذلك عن أي صدام مع السلطة بكافة أشكالها حتي سلطة الأبناء حين يطالبونهم بما يجاوز قدراتهم المحدودة.
لمحت ذلك الشعور بالارتياح، الناجم عن فرحة خفية، في تلك الابتسامة الغاربة علي وجوه المواطنين الذين نجحوا في الحصول علي الجرعة الثانية من لقاح كورونا!
الطريقة التي يمسك بها المواطن شهادة التطعيم، واحتشاده في طوابير طويلة ومرهقة، وكفاحه المرير ضد مظاهر الفوضى التي تحيط بالمكان من أجل الحصول علي شهادة مختومة تفيد كونه تلقي الجرعتين المطلوبتين من المصل، إنما هي ممارسات سلمية ظاهرية تخفي تحتها رغبة في الحصول علي رضاء الدولة واعترافها بكونك مواطنا صالحا!
فالإنسان العادي لا يطمح في أكثر من أن تمضي حياته البسيطة في سلام، وهو سلام سهل وبسيط كحياتهم، لأن تحقيقه مرهون بإمكانية أن تبقي الأشياء كما هي عليه. والمفارقة أن الأشياء، في أغلب الأحيان، لا تبقي كما هي عليه، لأن مسلسل إثبات شرعية الوجود البسيط لا ينتهي، والأنظمة الإدارية معقدة بطبيعتها، وعملية إصدار اللوائح والقوانين لا تتوقف، وبهذا المعني يظل المواطن طوال الوقت مطالبا بأن يثبت حسن نيته بانصياعه لتكاليف الدولة مهما بدت مجحفة أو ظالمة!
والمفارقة أن بعض المواطنين يجعل من انصياعه نوعا من التمرد، وهي مسألة شعورية خالصة تتسق وموقفه المذعن للسلطة، لأنه في حقيقة الأمر لا يمتنع عن القيام بما تم إجباره عليه، وإنما يصر علي القيام به بدافع التخلص من أي موقف يمكن أن يمثل ضغطا علي حياته.
إن بقاء الأشياء كما هي عليه يعني الاستقرار، والاستقرار عند المواطن البسيط هو الكنز الذي يحرص علي أن يحافظ عليه، ولأن حياته بسيطة وأحلامه بسيطة فإن أسباب سعادته بسيطة أيضا، فلا تجاوز توافر عناصر الكون الأربعة: الماء والهواء والتراب والنار، أي ما يكفي لصنع كوب من الشاي أو طهي صنف من الخضار أو مشاهدة مباراة للكرة.
وفي الأخير، ينبغي أن نميز بين السعادة الناجمة عن إضافة حقيقية في حياتنا مثل تلك المصاحبة لنجاحاتنا الدراسية والمهنية والاجتماعية، وبين مجرد الشعور بالارتياح الناجم عن نجاحنا في التخلص من شيء كان يهدد استقرار حياتنا البسيطة، وقدرتنا علي إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق!

