د. ماهر عبد المحسن
عندما وقفت المطربة شيرين عبد الوهاب كي تغني علي المسرح، وفاجأت جمهورها، في واقعة غير مسبوقة، برأسها الأصلع، الذي حلقته حزنا علي انفصالها عن زوجها حسام حبيب بعد زواج دام أربع سنوات، تذكرت مسرحية يوجين يونسكو العبثية “المغنية الصلعاء” التي عرضت في باريس عام ١٩٥٠م. فكثيرا ما كنت أتساءل عن السبب الذي دفع يونسكو لإطلاق هذا الاسم علي المسرحية، خاصة أنها لا تحتوي، ضمن شخصياتها، علي مغنية ولا علي أي شخصية صلعاء، كما كنت أتساءل عن مدي إمكانية أن تظهر هذه المغنية علي أرض الواقع؟
ولم يدر بخلدي أن يتحقق هذا الاحتمال في بلاد العرب، لأنه وليد ثقافة غربية متمردة، بنت أمجادها علي أنقاض حربين عالميتين مدمرتين، ولأنه احتمال ينتمي إلي دائرة العبث واللامعقول، غير أن ظهور شيرين عبد الوهاب، المصرية، علي مسرح أبي ظبي، وبعيدا عن اللغط الذي صاحبه، برأسها الأصلع وبهذه الهيئة الغريبة وغير المألوفة، إنما يعني أن العبث قد انتقل إلي عالمنا وتخلل حياتنا، أو أن بيئتنا العربية ذات الأخلاقيات والتقاليد الخاصة صارت تربة صالحة لزراعة اللامعقول!
ولا يمكننا النظر إلي المسألة خارج دائرة هذا العبث، خاصة عندما نعرف أن اختيار اسم المسرحية جاء بالمصادفة ووافق عليه يونسكو إمعانا في العبثية، ومن ثم لا تعد المسرحية التي مر علي عرضها الأول ما يقرب من القرن، بمثابة النبوءة لظهور شيرين في طلتها الصلعاء، وإن كانت كذلك فيما يتعلق بهيمنة روح العبث علي حياتنا المعاصرة.
وتلعب المصادفة دور آخر وأكبر، عندما نعرف أن المسرحية التي لم تتناول حياة مطربة صلعاء كما يتبادر إلي الذهن للوهلة الأولى، كانت تتناول الحياة اليومية لزوجين يعانيان الاغتراب والانفصال الروحي والعقلي عن بعضهما البعض بالرغم من كونهما يعيشان تحت سقف واحد. فهل تنبأ يونسكو بانفصال شيرين عن زوجها حسام حبيب أم قرأت شيرين مسرحية ” المغنية الصلعاء” قبل أن تقرر أن تكون صلعاء؟
واضح أن أحدهما لم يعرف الآخر، كما أن طرح هذا النوع من الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها لن يضيف شيئا علي الإطلاق، لأن الأمر برمته لا يعدو أن يكون نوعا من العبث، بما فيه هذه المقالة!

