د. ماهر عبد المحسن
مثل لعبة القط والفأر أو الكراسي الموسيقية، لا يتوقف الصراع بين الرجل والمرأة. ربما تكون هناك هدنة أو استراحة، يعود بعدها الطرفان لمواصلة النزال، مع ملاحظة أن المحصلة تأتي في الغالب متعادلة، لأن أحدهما يكسب جولة والآخر يفوز بأخرى، وهكذا دون حسم. وليس من تفوق أو اختلاف سوي في الطريقة أو المنهج.
يؤكد كلامنا تاريخ الصراع الذي شهد تفوقاً كاسحاً للرجل على المرأة في عصر “سي السيد” بحيث كان الرجل صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في حياتهما معاً، الأمر الذي جعل المرأة تشعر بالكثير من القهر والعنت.
في مرحلة تالية، و تحديداً في المرحلة الحالية التي تلت ظهور الحركات النسوية، تبادل الطرفان المواقع، وصارت المرأة، نتيجة لتحولات اجتماعية وثقافية كثيرة، هي الأكثر تفوقاً وهيمنة من الرجل، وشهدت الساحة الزوجية شكلاً جديداً ومبتكراً من العلاقة بين الطرفين.
فالمرأة، بالإضافة لصيرورتها صاحبة الهيمنة ومالكة القرار، فإنها تمارس هذه الصلاحيات بنعومة، بمعنى أنها تبدو، لأعداء المرأة من الذين يبكون على الماضي التليد، وكأنها “تقتل بدم بارد”. فالمرأة، بطبيعتها، ليست عنيفة كالرجل ولا تملك أدوات قهر خشنة مثله، لكنها، بالرغم من ذلك، لديها القدرة على محاصرة الرجل والسيطرة على حياته من خلال نوع خاص من الوعى قادر على رصد كل كبيرة وصغيرة في حياة الرجل، ووضعها تحت مجهر البحث ومعالجتها بمشرط الجراح!
والقهر النسائي، بهذا المعنى، لا يصيب الرجل بالجروح أو الكدمات لكن بالاختناق، لأنه يستطيع أن يتحمل أي أذى عدا الحرمان من التمتع بحرية الحركة، المادية أو المعنوية.
ولأننا ننطلق في تحليلنا من نظرية “القط والفأر”، فإن الرجل لم يعدم وسيلة لإدانة الممارسات النسائية المجحفة تجاهه، فكانت الحيلة الخبيثة منهجه العصري في مواجهة ما ظنه تجبراً من المرأة العصرية. وهنا استفاد الرجل من وسائل التواصل الاجتماعي، التي تميز العلاقات الإنسانية الجديدة لهذا الزمن المليء بالمتغيرات، وشرع في صنع فيديوهات طريفة على مواقع الفيس بوك واليوتيوب، يسخر فيها من طريقة تفكير المرأة وقهرها الناعم، الغريب، الذي لا يخلو من فكاهة، بحيث يثأر لنفسه من ناحية ويحقق الربح المادي الوفير من جراء نشر هذه الفيديوهات من ناحية أخرى.
ولا تكمن خباثة الرجل في تحقيق هذه المنفعة المزدوجة، لكن في أنه نجح في إقناع المرأة نفسها بأن تكون شريكة له في هذه الفيديوهات، وأن تؤدي على النحو الذي يجعلها أضحوكة أمام المجتمع، رجالاً ونساءً.
فالفيديوهات تعتمد في أفكارها على المبالغة في التناقضات الصارخة التي تصدر عن تصرفات المرأة، ما يجعلها تبدو كشخصية مسطحة ذات بعد واحد، تفتقر إلي الكثير من العمق. ففي أحد الفيديوهات الشهيرة تطلب المرأة من زوجها الذي يعبث بالموبايل الطلاق، وبإصرار شديد، وتحاصره بطلبها من كل ناحية، حتى أنه يوافق علي كل التنازلات التي تطلبها منه، رغبة في مواصلة اللعب على الموبايل، وعندما يشتد عليه الحصار، وتطلب منه أن يذهب لإحضار المأذون في الحال، يقوم من موضعه ويذهب الي ترابيزة السفرة، الموضوع فوقها صينية بسبوسة، ويأخذ قطعة يتذوقها وهو يثني على مذاقها اللذيذ، وهنا يزول انفعال الزوجة فجأة ويحل محله شعور بالسعادة والرضا وتعدل عن فكرة الطلاق!
وفي فيديو آخر تلوم المرأة زوجها لأنه نسي عيد زواجهما، ويظل الرجل يتهكم من سطحية الموضوع، الذي يمنعه، أيضاً، من لذة اللعب بالموبايل حتى تكف المرأة عن إلحاحها الممجوج!
ولا ننكر احتمالية أن تكون المرأة واعية بكافة أبعاد اللعبة، وترغب، مثل الرجل، فى الشهرة والمال، وربما تجدها فرصة للتسامي فوق الخلاف التاريخي بينهما، بل والاتحاد معاً من أجل هدف أسمى مشترك يحقق المنفعة لكلا الطرفين، لكن الأمر سيختلف عندما نتأمل المسألة بنحو أبعد، لندرك أن الرجل، وهو يقوم بتسجيل ونشر هذه الفيديوهات، بالرغم من مشاركة المرأة، إنما يوجّه رسالة مضمرة للمجتمع مفادها أن ما يقوم به، مهما بدا تافهاً، هو أكثر أهمية مما تقوم به المرأة مهما بدا هاماً وخطيراً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضفي المشروعية على تصرفاته الذكورية الخالصة، ونزعها عن تصرفات المرأة الأنثوية الخالصة، فى جولة جديدة معاصرة من الصراع، يخوضها الرجل بالحيلة بعيداً عن المنافسة الشريفة. لهذه الأسباب يحق لنا أن نقول، اذا أردنا رأياً منصفاً، يا نساء العالم لا تتحدن… مع الرجل!

