د. ماهر عبد المحسن
جلس الأب على مكتبة، يرتدي روباً منزلياً شبيهاً بذلك الذي كان يرتديه توفيق الحكيم، وينظر من وراء نظارة طبية كتلك التي اعتاد أن يضعها عبد الوهاب فوق عينية، وكان يمسك بيديه رواية ديستويفسكي “الإخوة كارمازوف”، ويتأمل عبارته ذات المغزى “إذا لم يكن الله موجود فكل شئ مباح”..
وبينما كان الابن، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة، يضع أمامه فنجان القهوة المفضل، باغته بسؤال قطع عليه تيار تفكيره العميق حول معنى أن تكون وجودياً في عالم لا يحفل بالإنسان ولا يوفر له أسباب سعادته.. هل يمكنك يا أبي أن أن تضرب الرجل البدين الذي يجلس عند نهاية الشارع؟.. ولم يكتف الابن بالتساؤل، لكنه بادر بالإجابة كذلك، قائلاً: اعتقد أنك لن تستطيع!
وفي هذه اللحظة أدرك الأب أن الابن، بحكم السن الصغيرة، يقيّم الأشخاص من زاوية القوة العضلية، وأنه بهذا المعنى لا يرى فيه القدرة على مصارعة الأقوياء من الناس والفتك بهم بنحو ما يرى في الشخصيات الخارقة التي يقرأ مغامراتها في المجلات المصورة.
فقال الأب: إن البطولة الحقيقية ليست فيما تقوم به الشخصيات الكرتونية الخيالية، ولا تُقاس القوة بما تبدو عليه عضلات الرجل الضخم الجالس عند نهاية الشارع، لكن بالقدرة على منع نفسك من الدخول في الشجار من الأساس. فالقوة الحقيقية هي القوة النفسية القائمة على رباطة الجأش كما علمنا الرسول (ص) عندما قال “ليس الشديد بالصرعة، لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب”.
والبطل الحقيقي ليس هو السوبرمان القادم من كوكب آخر، لكن الرجل الذي يعمل تحت حر الشمس، الطالب الباحث عن العلم، المعلم الذي يربي أجيال، الأب الذي يقرأ ديستويفسكي ويستطيع أن يجيب على مثل هذا اللون من الأسئلة!

